لا أعرف لماذا تمنيت أن اتحدث مع الرجل الجالس بجواري. لم أستطع تأمله طويلا أثناء ركوبي، لكن ملامح وجهه المستريحة وجلسته المتأهبة لفتتا نظري.
بمجرد جلوسي اكتمل العدد المطلوب فأغلق السائق باب السيارة منبهاً " الأجرة اتنين جنيه يا بهوات"، كنت اتوقع هذا فلم أعقب. لكن، الجالس بجواري، سألني بلهجة -حاول أن تكون- غاضبة "ايه الإستغلال ده؟..مش هي المفروض جنيه ونص؟". في العادة لا أرد على هذه الملاحظات واكتفي بإبتسامة لا معني لها، لكنني استبدلتها هذه المرة بكلام -لا معني له أيضا- فقط لأتأمله أكثر.
لا شيء فيه مميز.. مصري نموذجي، لكنه كان يُكثر، دون سبب واضح، من الإطمئنان على وضع لفتي الحلوي الموضعتان على قدمه، كنت متأكد أن احداهن "بسبوسة"، ولم أستطع تخمين محتوي الثانية لكن شكل ونوع تغليفهما كان ينبيء بالمستوي المتوسط للمحل المبتاعتين منه.
فوق اللفتين كان هناك شنطة بلاستيكة صغيرة لا تظهر محتوها، وإن كانت طبيعته المكعبة واضحة. دفعني الفضول لمحاولة تخمين المحتوي، لكن خجلي من كثرة استراق النظر غلبني فحاولت كسره بالإنشغال في العبث بأزرار هاتفي المحمول.
فجأة خُيّل لي أنه يكلمني، نظرت إليه فتردد قليلا، ثم سألني " حضرتك بتفهم في الموبايلات؟". ادهشني السؤال، وترددت في الإجابة. تخيلت ما يمكن أن يحدث إن أجبت بنعم. تخيلته يعطيني احدي هذه الأجهزة الصينية متوسلا لي أن اجعله يتوقف عن تغيير خلفياته مصدرا أصوات غريبة ومزعجة كل ثلاث ثواني؛ وفي النهاية أجبت بنعم!. مع اجابتي بدا محرجا قليلا، ثم فتح الشنطة "اياها"، وأخرج منها "موبايل" جديد تماماً لم تفتح علبته بعد. اعطاه لي قائلاً: "لسه جايبه من شوية بس مش عارف هو كويس ولا لأ..ده بضمان راية!..ايه رأيك؟..هو حلو؟". صدمني السؤال فسكت قليلا لأستقر على طبيعة وطريقة اجابتي، ويبدو أن صمتي أخافه فقلت مسرعا " آه ده كويس جدا..حلو قوي ..مبروك". انفرجت أسارير الرجل و تراقصت مشاعر الفرح على وجهه، وشكرني بحرارة لا تتناسب مع حجم "الخدمة" التي أديتها له ثم قال:"أنا جايبه لبنتي..بنوته صغيرة لسه عندها حداشر سنة"..
صفعتني هذه المعلومة فترقرقت الدموع في عيني، وبذلت مجهود غير عادي كي أحبسها. اضطربت وعاودت، متلجلجا، الثناء على "الموبايل" واختياره، مدعيا أن بعض أصدقائي يملكون مثله ويقولون عنه كلامٌ جيد. وعاود هو، مطمئناً، الشكر بحرارة أشد وبإمتنان حقيقي، فما كان مني إلا أدرت وجهي بسرعة متظاهرا بالنظر من النافذة.. ومخفيا دموع بدأت تحصل على حريتها.
ظللت هكذا فترة طويلة، وظللت اتساءل عن سبب هذا التأثر الشديد من جانبي فترة أطول، حتى انتبهت على لمسة خفيفة على كتفي، نظرت إليه فربت على كتفي قائلا بإبتسامة عرفان غير عادية:"شكرا قوي يا أستاذ..ألف شكر".
5 comments:
عجبتني جدا وحسيت اللي إنت عاوز تقوله أوي
:)
تقبل مروري
شكرا..نورتنا
أحمد
حاج احمد
بالفعل افتقدتك
و افتقدت هذه الأحاسيس
هناك اناس خلقهم الله لإسعاد الآخرين
و عندما تراهم لا تملك إلا أن تنجذب إليهم
ثم تتأثر لشيء مبهم
لا تفسير له
محمد
ربنا يخليك يا محمد..فينك يا راجل واحشني والله
أحمد
تصدق أنا برضه تأثرت و أنا بقرأ القصة ديه! دايماً بتاثر لما بشوف حد على كده بيصرف كثير عشان يسعد الناس اللي عزيزة عليه! قد إيه شعور وحش لم تكون مش قادر تجيب لولادك اللي نفسهم فيه!
Post a Comment